fbpx
سياسة

هزيمة حزب العدالة والتنمية : ما أسباب خسارة البيجدي للرهان الإنتخابي ؟

علامات استفهام كثيرة تُثار حول أسباب هزيمة حزب العدالة والتنمية المغربي الكبيرة، الذي حلَّ في المركز الثامن في الانتخابات العامة فاقداً أغلبية مقاعده.

وأعلن عبدالوافي لفتيت، وزير الداخلية، أن حزب التجمع الوطني للأحرار (مشارك بالائتلاف الحكومي المنتهية ولايته) فاز بانتخابات مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان)، بـ97 مقعداً بعد فرز 96% من الأصوات.

وحصل الأصالة والمعاصرة (أكبر أحزاب المعارضة) على المرتبة الثانية بالانتخابات التشريعية بـ82 مقعداً، متبوعاً بحزب الاستقلال (معارض) بـ78 مقعداً، والاتحاد الاشتراكي (يساري مشارك بالائتلاف الحكومي المنتهية ولايته) بـ35 مقعداً، في حين سجل العدالة والتنمية تراجعاً كبيراً بحصوله على 12 مقعداً، مقارنة بـ125 مقعداً، خلال انتخابات 2016، ليحتل المركز الثامن.

ومع أن هزيمة حزب العدالة والتنمية كانت متوقعة إلى حد كبير، ولكن مقدار الهزيمة، وتراجع الحزب من المركز الأول في آخر الانتخابات إلى المركز الثامن في الانتخابات الحالية، وفقاً لنتائج شبه نهائية، أمر مثير للاستغراب، بالنظر إلى أن حتى أسوأ منتقدى حزب العدالة لا يمكن أن يتهموا سجل الحزب بأنه بهذا السوء، كما أن الحزب في الانتخابات الماضية عام 2016، حقق زيادة في عدد المقاعد والأصوات التي حصل عليها حيث نال نحو 31% من الأصوات مقارنة بنحو 26% في انتخابات 2011 التي عقدت أثناء الربيع العربي.

كما ظل الحزب يحقق نتائج تصاعدية منذ مشاركته في أول انتخابات برلمانية عام 1997، إلى أن وصل إلى رئاسة الحكومة في أعقاب احتجاجات حركة 20 فبراير 2011 المطالبة بـ”إسقاط الفساد والاستبداد”، لكن من دون السيطرة على الوزارات الأساسية. 

ومع أنه من المبكر رصد كل أسباب هذه الهزيمة الكبيرة لحزب العدالة، إلا أنه يمكن ملاحظة عدة أشياء.

السياق الإقليمي أولى أسباب هزيمة حزب العدالة والتنمية

أصبح هناك سياق إقليمي معادٍ للإسلاميين في المنطقة العربية بعد فشل الربيع العربي، وهو سياق مرتبط بالتحالف مع ما يمكن تسميته قوى الدولة العميقة في الدول العربية التي ترى في الإسلاميين منافساً على السلطة والقوى الليبرالية واليسارية التي ترى فيها منافساً أيديولوجياً.

وقد انتقلت هذه الحالة من المشرق العربي إلى المغرب، كما بدا في تونس.

والسياق الإقليمي له آثار متعددة وعميقة، ولكن من أبرزها الإعلام، فالقارئ العربي من المحيط إلى الخليج لا يسمع إلا تقارير تشيطن الإسلاميين، باستثناء بعض وسائل الإعلام التي تدافع عنهم على استحياء أو تقف منها على حياد نسبي.

موقف القصر الملكي من هزيمة حزب العدالة والتنمية

منذ انتخابات 2016 الأخيرة في المغرب، بدا أن هناك موقفاً من القصر تجاه حزب العدالة والتنمية بعد أن استنفد الحزب دوره في  امتصاص عدوى الربيع العربي، وكان هناك فيتو ملكي على تولي زعيم الحزب ذي الشعبية عبد الله بن كيران، رئاسة الحكومة فيما عرف باسم البلوكاج، عبر منع الأحزاب المقربة للملك من عملية تشكيل الحكومة وانتهى الأمر بتولّي القيادي في الحزب رئيس الوزراء الحالي سعد الدين العثماني تشكيل الحكومة.

وفي دولةٍ الملكيةُ فيها عريقة كالمغرب، فإن موقف الملك سلبي، يضعف أي حزب سواء عبر عوامل معنوية أو غيرها.

كما يبدو أن الأحزاب المغربية بما فيها تلك المشاركة في الحكومة لم تتفق على شيء إلا على تقليم أظافر حزب العدالة، وهو ما ظهر في تغيير نظام الانتخابات.

إذ كان واضحاً أن هناك قراراً سياسياً بإسقاط حزب العدالة عبر  التعديلات التي طالت القوانين المنظمة للاقتراع، والتي كان من أبرزها اعتماد قاسم انتخابي جديد في توزيع المقاعد النيابية، وإلغاء العتبة التي كانت محددة في 3% لدخول الحزب للبرلمان.

والعتبة الانتخابية هي الحد الأدنى من الأصوات المطلوب من أي حزب الحصول عليه ليصبح له الحق في الحصول على مقعد.

وبموجب القاسم الانتخابي يتم احتساب المقاعد بناء على عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية، وليس وفق عدد المصوتين كما كان سابقاً.

وأوضحت المادة 84 من القانون التنظيمي لمجلس النواب الطريقة الجديدة لتوزيع مقاعد البرلمان “توزع المقاعد على اللوائح بواسطة قاسم انتخابي يستخرج عن طريق قسمة عدد الناخبين المقيدين في الدائرة الانتخابية المعنية على عدد المقاعد المخصصة لها.

وتوزع المقاعد الباقية حسب قاعدة أكبر البقايا، وذلك بتخصيصها للوائح التي تتوفر على الأرقام القريبة من القاسم المذكور.

وكان حزب العدالة يعارض هذا التعديل؛ لأنه  يستهدف تقليل فرص فوزه، حيث قال سليمان العمراني نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية في تصريح قبيل الانتخابات إن القاسم الانتخابي الجديد سيؤثر على نتائج حزبه في الانتخابات النيابية، لافتاً إلى أن إرادة الأحزاب السياسية التقت على هذا التعديل لإضعاف حظوظ حزب العدالة والتنمية وانتزاع مقاعده.

ويضيف أن حزبه حصل في الانتخابات الماضية التي تصدر نتائجها على 125 مقعداً، وبعد هذا التعديل فإن التوقعات لن تمنحه سوى 90 مقعداً نيابياً.

صاحب ذلك بالطبع قرار آخر ربما قلل بشكل كبير من حظوظ العدالة والتنمية؛ إذ منعت الداخلية المغربية المهرجانات والمسيرات الخطابية قبل الانتخابات بسبب “كورونا”، وهو قرار اعتبر أن العدالة هو أكثر المتضررين منه، باعتبار أنه يعتمد على العمل الشعبي في الشارع أكثر من بقية الأحزاب.

المال السياسي و هزيمة حزب العدالة والتنمية

في وقت منعت فيه الحملات الانتخابية في الشارع، أصبح المال السياسي محور الحملات الانتخابية وخاصة من قِبَل حزب التجمع الوطني للأحرار الذي يتزعمه الملياردير المقرب من القصر عزيز أخنوش.

وعشية الانتخابات، خاطب رئيس الوزراء المغربي السابق عبد الإله بن كيران القيادي في حزب العدالة أخنوش قائلاً “ليس لك إلا المال”، مضيفاً في منشور على حسابه على “فيسبوك”: “رئاسة الحكومة تحتاج شخصية سياسية نزيهة نظيفة ليس حولها شبهات”.

وقبيل إغلاق مكاتب الاقتراع أعلن حزب العدالة والتنمية أنه سجّل “استمرار التوزيع الفاحش للأموال في محيط عدد من مراكز التصويت، دون تدخّل السلطات المعنية”.

وأشار الحزب في بيان إلى “ارتباك في لوائح التصويت بعدد من المكاتب مما حرم عدداً من الناخبين من القيام بواجبهم”، داعياً السلطات إلى “التصدي لهذه الخروقات الخطيرة بصرامة تحسّباً (…) للمسّ بسلامة العملية الانتخابية ونزاهتها”.

وسبق أن ندَّد حزب العدالة والتنمية خلال الحملة الانتخابية، التي استمرّت أسبوعين، باستعمال المال لشراء أصوات ناخبين ولاستقطاب مرشحين، لكن من دون تسمية أي طرف. 

اللافت أن حزب الأصالة والمعاصرة الذي أسسه مستشار للملك، ومعروف بعدائه مع حزب العدالة اتفاق مع الأخير في دور المال في الانتخابات، حسبما ورد في تقرير لموقع فرانس 24.

فلقد وجَّه الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة عبداللطيف وهبي الاتهام مباشرة إلى حزب التجمّع بالمسؤولية عن “إغراق” الساحة بالمال، وردّ عليه الأخير متهماً إياه بالسعي إلى “ضرب مصداقية الانتخابات”.

في المقابل، أكد وزير الداخلية ليل الأربعاء-الخميس أن “عملية التصويت مرَّت ظروف عادية، باستثناء بعض الأحداث المعزولة التي لم تؤثر على سيرها”، مشدداً على “الاحترام التام لسرية الاقتراع ونزاهة عمليات الفرز والإحصاء بحضور ممثلي لوائح الترشيح”.

إنجازات الحزب أم الملك؟

خلال الأشهر الماضية، جرى التركيز على فكرة إحباط الشارع  المغربي من أداء الحكومة على مدار عشر سنوات، وهو نقد يحتاج لمراجعة، وأوله أن الشارع المغربي ذاته، قد أعطى حزب العدالة مزيداً من الأصوات عام 2016 بعد أن وصل للحكم عام 2011.

الأمر الثاني أنه على الرغم كل المشكلات الاقتصادية والإدارية في المغرب، فإن البلاد، صاحبة أفضل أداء اقتصادي لدولة غير نفطية في العالم العربي، كما أن فترة حكومة العدالة هي من أفضل الفترات من حيث أداء الاقتصاد المغربي، والبلاد أصبحت منتجاً مهماً للسيارات وصناعة أجزاء الطائرات والسياحة، وهو ما انعكس على ميزانية البلاد، وتوجهها لتوسيع قدراتها العسكرية.

النقطة الثانية أنه إذا كان أداء الحكومة هو السبب في تدهور نتائج العدالة، فلماذا فاز في الانتخابات شريكته في تشكيل الحكومة حزب التجمع الوطني للأحرار الذي يقوده الملياردير المغربي صديق الملك عزيز أخنوش.

وبالطبع فإنه يجرى التركيز على فكرة أن وزارات حزب أخنوش هي التي حققت إنجازات، ولكن الواقع أن إنجاز أي حكومة هو محصلة إجمالية لعملها وبالأخص لرئيسها.

كما انعكس الطابع المختلط للنظام المغربي على النظر للإنجازات التي تحققت خلال عهد حزب العدالة.

وبالرغم من الصلاحيات الموسعة لرئيس الحكومة، بقيت معظم القرارات الكبرى بيد الملك في القطاعات الأساسية مثل الزراعة والطاقة والصناعة وتدبير المياه. وحضر القصر بقوة أمام الحكومة في مشاريع كبرى كالتصدي لفيروس كورونا، إذ أعلن العاهل المغربي خطة للإنعاش الاقتصادي صيف 2020 بما يقارب 12 مليار دولار، كما أعلن مشروعاً غير مسبوق لتعميم التغطية الطبية والاجتماعية في أفق العام 2025. كلها مشاريع حاول الحزب الإسلامي استغلالها في الحملة الانتخابية، إلا أن معارضيه يردون بأنها “مشاريع ملكية”، مشككين في حصيلته الحكومية.

إخفاقات 

بطبيعة الحال كانت هناك إخفاقات في مجالات عدة، وأبرز الفروق الاقتصادية بين الطبقات والمناطق في المغرب، وهو الأمر الذي أدى إلى دفع الملك باتجاه “الميثاق الوطني للتنمية” وهو مستوحى من “النموذج التنموي الجديد”، الذي أعدته لجنة ملكية وأعلن عنه في مايو /أيار الماضي، ويفترض أنه بغض النظر عن هوية الحزب الفائز وتشكيلة الحكومة المقبلة، يفترض أن تتبنى كل التشكيلات السياسية هذا الميثاق.

وهو يهدف إلى تغيير “مناخ اتسم بأزمة ثقة خيّم على البلاد” بسبب “تباطؤ وتيرة النمو الاقتصادي وتفاقم الفوارق”، وفق تقرير اللجنة.

وتفيد إحصاءات رسمية إلى أن “10% من المغاربة الأكثر ثراء يركزون ثروة تساوي 11 مرة ما يملكه 10% من السكان الأكثر فقراً”، في المملكة البالغ عدد سكانها 36 مليون نسمة.

وأدت تداعيات جائحة كورونا إلى تعميق معدلات الفقر والهشاشة، وفق معطيات رسمية.

وقبل الجائحة، وعد ملك المغرب محمد السادس في خطاب في عام 2019 بمناسبة مرور 20 عاماً على توليه الحكم بـ”تجديد النموذج التنموي” من أجل “مغرب لا مكان فيه للتفاوتات الصارخة”، مشيراً إلى أن الإنجازات التي تحققت على مستوى البنية التحتية خصوصاً “لم تشمل بما يكفي، مع الأسف، جميع فئات المجتمع”.

 في السنوات الأخيرة، ظهرت حركات اجتماعية متفرقة كان أبرزها “حراك الريف” بين 2016 و2017 في مدينة الحسيمة ونواحيها (شمال) حملت مطالب اقتصادية واجتماعية، وتسببت في توترات أدت إلى اعتقال ومحاكمة المئات من المتظاهرين.

ولكن هنا يثور تساؤل: هل يستطيع حزب يقوده أغنى رجل في البلاد أن يقود عملية تقليل الفوارق الاقتصادية بين الطبقات والمناطق، وهي عملية تتطلب تقليدياً في أي بلد فرض مزيد من الضرائب على الأغنياء.

خلافات داخلية بسبب التطبيع وتقنين المخدرات

ُدفع حزب العدالة خلال فترة قيادته للحكومة الأخيرة تحديداً إلى قرارات أثارت خلافات داخلية وأغضبت قاعدته المحافظة، مثل قوانين لتقنين زراعة الخشخاش، وفرنسة التعليم، والتطبيع مع إسرائيل.

فعلياً، لم يكن الحزب موافقاً على هذه المسائل الإشكالية، ولكن دُفع رئيس الوزراء من قِبل القصر على ما يبدو لتمريرها، وسط ضغط من الأحزاب الأخرى، وبهذا نال الحزب غضب قواعده الانتخابية ومرر أجندة غيره، فخسر مؤيده ولم يكسب معارضيه.

أسفرت هذه التطورات منذ إقصاء عبد الله بن كيران عن رئاسة الحكومة عن تشكيل جناحين داخل الحزب؛ أحدهما يمثله رئيس الوزراء السابق عبد الإله بن كيران وهو جناح الصقور، فيما يمثل رئيس الوزراء الحالي سعد الدين العثماني جناح الحمائم.

توقّع الهزيمة يؤدي للهزيمة

أدت كل الظروف السابقة إلى توقع عام ب هزيمة حزب العدالة والتنمية ، وهو توقع شارك فيه قيادات الحزب أنفسهم، وبعض مؤيديه الذين توقعوا احتلال الحزب المركز الثاني، وهو توقع محبط للمؤيدين، يدفعهم لعدم بذل الجهد الكافي لتحقيق هذا الهدف، كما أنه ينفر من حوله الجمهور، لأن الجمهور دائماً يحب الفائز، كما أن عملية الهجوم على الحزب وعلى الإسلاميين بالمنطقة عامة أدت إلى فقدان الحزب حتى التعاطف العفوي مع الضحية.

وبشكل أو بآخر، حزب العدالة بشكل أو بآخر هو ضحية نجاحه الاقتصادي، فبعد 10 سنوات من قيادته للحكومة تعود المواطن المغربي على الوضع الحالي الجيد نسبياً مقارنة بالسنوات السابقة، وبالتالي فهو يريد المزيد.

وبصفة عامة يمكن القول إن تجربة حزب العدالة والتنمية تعبِّر عن ذكاء الملكية المغربية التي استغلت الحزب للعبور بفترة صعبة لكل الأنظمة العربية عبر توليته الحكم خلال الربيع العربي، مما أدى إلى تهدئة الاحتجاجات في المغرب التي كان الإسلاميون طرفاً فيها، ثم استمر في قيادته الحكومة ليمرر عدداً من القرارات التي لو كان الإسلاميون في المعارضة لرفضوها، مثل التطبيع وقانون تقنين زراعة الخشخاش.

والآن أصبح الحزب أمام مؤيديه متخاذلاً، ومعارضيه مسؤولاً عن القصور في العمل الحكومي، بينما ينسب للقصر والتجمع الوطني للأحرار  كل الإنجازات.

بالطبع لا تخلو تجربة الحزب من فوائد، أهمها تجنب التنكيل كأغلب الإسلاميين في العالم العربي، واكتسابه خبرة الحكم ومعرفته للتحديات الحقيقية بعيدة عن التنظير الذي يمليه الجالسون على مقاعد المعارضة البعيدة عن الواقع.

كما أن في الديمقراطيات فإن هزائم الأحزاب فرصة لإعادة تجديد دمائها وأفكارها.

على الجانب الآخر، فإن تشكيل حكومة بقيادة حزب التجمع الوطني للأحرار المقرب للملك، رغم أنه يشكل توطيداً لسلطة القصر، فإنه يحمل تحدياً له، لأنه أي خطأ أو مشكلة سوف تنسب له بعدما كانت تنسب للإسلاميين.

الوسوم

محمد بوحدة

محرر ، مصمم مواقع وخبير في الأرشفة

مقالات ذات صلة

إغلاق