تاريخ
في المغرب، الحكم هو أن تمطر : دلالات القولة

في المغرب، حيث تتشابك خيوط التاريخ والطبيعة، تبرز مقولة “في المغرب، الحكم هو أن تمطر Au Maroc , gouverner c’est pleuvoir.” كتعبير بليغ عن التحديات التي تواجه الحكم في بلد تتقلب فيه الأحوال الاقتصادية والاجتماعية مع هطول الأمطار أو انقطاعها. هذه العبارة، التي تُنسب عادة إلى الماريشال ليوطي ولكنها في الواقع تعود إلى تيودور ستيغ، تحمل في طياتها أبعادًا تاريخية، اقتصادية، وحتى فلسفية.
خلال فترة الحماية الفرنسية، أدرك المسؤولون الاستعماريون أهمية الماء في بلد شبه قاحل مثل المغرب. تيودور ستيك، المقيم العام بين 1925 و1929، كان يُلقب في الجزائر بـ”حاكم الماء” بفضل جهوده في تعزيز الزراعة عبر بناء السدود. عندما قال هذه القولة “في المغرب، الحكم هو أن تمطر”، كان يقصد حقيقة لا مفر منها : استقرار الحكم في المغرب يعتمد على وفرة الأمطار، التي تؤثر مباشرة على الإنتاج الزراعي والاستقرار الاقتصادي.
في المغرب، ترتبط الأمطار ارتباطًا وثيقًا بمصير الأمة. كما أشار الملك الحسن الثاني، فإن الجفاف لم يكن مجرد أزمة موسمية، بل كان تهديدًا وجوديًا أطاح بالعديد من السلالات الحاكمة عبر التاريخ. منذ العصور القديمة، كانت المدن المغربية تُبنى بالقرب من مصادر المياه، وكانت تحركات القبائل البدوية تُحدد وفقًا لتوفر الماء. في العصر الحديث، استمرت هذه العلاقة، حيث أدى الجفاف إلى هجرات سكانية وأزمات اقتصادية، مما دفع الدولة إلى تبني سياسات مثل بناء السدود ومحاولات الاستمطار الاصطناعي لضمان استقرار الإنتاج الزراعي.
في القرن الحادي والعشرين، تظل مقولة ” في المغرب، الحكم هو أن تمطر” ذات أهمية قصوى. عرف المغرب مؤخرا ست سنوات من الجفاف المتواصل ، ما جعل البلاد تواجه تحديات غير مسبوقة تتعلق بنقص المياه. ارتفاع درجات الحرارة وتفاقم التصحر يهددان القطاع الزراعي، الذي يُعتبر العمود الفقري للاقتصاد الوطني. في هذا السياق، تبرز أهمية السياسات الحكومية التي تركز على تحسين إدارة الموارد المائية، سواء من خلال تحلية مياه البحر أو تطوير أساليب زراعية مستدامة. القولة، إذن، ليست مجرد تعبير تاريخي، بل دعوة للحكم بمسؤولية في مواجهة التحديات البيئية.
إلى جانب دلالاتها الاقتصادية، تحمل القولة أبعادًا فلسفية عميقة. فهي تذكّر الحكام بأن سلطتهم، مهما بلغت قوتها، تخضع لقوى الطبيعة التي لا يمكن التحكم بها بشكل كامل. في المغرب، حيث تتأرجح الأحوال بين الرخاء والجفاف، يصبح الحكم فنًا يتطلب التوازن بين التخطيط البشري والاستجابة للظروف الطبيعية. مفهوم “الحكم بالتوافق”، الذي يبرز في الدراسات الحديثة، يعكس هذه الحاجة إلى تعاون وثيق بين الحكومة والمجتمع لضمان الاستقرار في مواجهة التحديات المناخية.
تظل مقولة “في المغرب، الحكم هو أن تمطر” شاهدة على العلاقة العميقة بين الطبيعة والحكم في هذا البلد الشامخ. منذ أيام الحماية الفرنسية إلى اليوم، يبقى المطر رمزًا للأمل والتحدي في آن واحد. في ظل تغيرات المناخ، يتطلب الحكم في المغرب اليوم رؤية مبتكرة تجمع بين الاستفادة من التكنولوجيا وتعزيز التعاون المجتمعي. إن الحكم، في جوهره، هو القدرة على جعل “المطر” مصدرًا للرخاء والاستقرار، مهما كانت التحديات