سياسة

البرنامج النووي الإيراني : نشأته، علاقته ببرنامج الصواريخ، وخطره على إسرائيل

يُعتبر البرنامج النووي الإيراني من أكثر القضايا إثارة للجدل على الساحة الدولية، حيث يثير قلقاً كبيراً في الأوساط الإقليمية والعالمية، وخاصة في إسرائيل التي ترى فيه تهديداً وجودياً. بدأ البرنامج النووي الإيراني في منتصف القرن العشرين كجزء من طموحات إيران لامتلاك الطاقة النووية، لكنه تحول مع مرور الزمن إلى محور نزاع سياسي وعسكري بين إيران والمجتمع الدولي. ترتبط هذه الطموحات النووية ارتباطاً وثيقاً ببرنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، مما يزيد من حدة المخاوف، خاصة بالنسبة لإسرائيل التي تعتبر نفسها الهدف الأول لهذا البرنامج.

نشأة البرنامج النووي الإيراني

بدأ البرنامج النووي الإيراني في خمسينيات القرن العشرين، خلال عهد الشاه محمد رضا بهلوي، ضمن إطار برنامج “الذرة من أجل السلام” الذي أطلقته الولايات المتحدة. كانت إيران آنذاك حليفاً وثيقاً لواشنطن، وقد تلقت دعماً تقنياً من الولايات المتحدة ودول غربية أخرى لبناء منشآت نووية لأغراض مدنية. في السبعينيات، وبفضل ارتفاع أسعار النفط، سعت إيران إلى توسيع برنامجها النووي، بهدف بناء مفاعلات نووية لتوليد الكهرباء، وربما أيضاً لتطوير قدرات عسكرية محتملة. وقّعت إيران معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية (NPT) عام 1968، مما ألزمها باستخدام التكنولوجيا النووية لأغراض سلمية فقط.


لكن الثورة الإسلامية عام 1979 غيّرت مسار البرنامج النووي. بعد إسقاط الشاه، أوقف المرشد الأعلى آية الله الخميني الأبحاث النووية العسكرية، معتبراً الأسلحة النووية محرمة وفق الفقه الإسلامي. مع ذلك، سمح بأبحاث صغيرة النطاق في مجال الطاقة النووية. خلال الحرب العراقية-الإيرانية (1980-1988)، تعرضت إيران لهجمات كيميائية من العراق، مما دفعها لإعادة النظر في برنامجها النووي كوسيلة لردع التهديدات الإقليمية. في التسعينيات، تحت قيادة الرئيس هاشمي رفسنجاني والمرشد الأعلى علي خامنئي، استؤنفت الأنشطة النووية، بما في ذلك أنشطة سرية لتخصيب اليورانيوم، مما أثار شكوك الغرب حول النوايا الحقيقية لإيران.

في أوائل الألفية الجديدة، كشفت تقارير استخباراتية عن وجود منشآت نووية سرية في نطنز وفوردو، مما دفع الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) إلى تكثيف تفتيشاتها. أظهرت تقارير الوكالة أن إيران طورت قدرات تخصيب اليورانيوم، وهي خطوة يمكن أن تُستخدم لإنتاج أسلحة نووية إذا تم رفع مستوى التخصيب إلى 90%. على الرغم من إصرار إيران على أن برنامجها سلمي، إلا أن تقارير الوكالة ومزاعم دول غربية أشارت إلى دراسات إيرانية محتملة لتصميم أسلحة نووية قبل عام 2003.

العلاقة بين البرنامج النووي وبرنامج الصواريخ

برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني هو جزء لا يتجزأ من استراتيجيتها العسكرية، ويُنظر إليه كمكمل لقدراتها النووية المحتملة. بدأت إيران تطوير برنامجها الصاروخي في الثمانينيات خلال الحرب مع العراق، حيث ركزت على بناء ترسانة صاروخية لردع التهديدات الإقليمية. يشمل البرنامج صواريخ متنوعة، مثل صواريخ “شهاب” و”فاتح-313″ و”قيام-1″، التي يتراوح مداها بين 300 و2800 كيلومتر، وهي قادرة على استهداف أهداف في المنطقة، بما في ذلك إسرائيل.

العلاقة بين البرنامجين النووي والصاروخي تكمن في القدرة على دمج رؤوس نووية مع صواريخ باليستية. تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية أشارت إلى أن إيران أجرت دراسات حول تصميم أسلحة نووية، بما في ذلك تجارب على أنظمة التفجير وتطوير صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية. على سبيل المثال، صواريخ مثل “شهاب-3” يمكن أن تُعدل لتحمل رؤوس نووية، مما يجعلها أداة تسليم فعالة إذا امتلكت إيران سلاحاً نووياً. كما أن تعاون إيران مع كوريا الشمالية في مجال تكنولوجيا الصواريخ الباليستية عزز من قدراتها، حيث تلقت إيران صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية في إطار صفقات تبادل تكنولوجي.

إيران تصر على أن برنامجها الصاروخي دفاعي بطبيعته، ويهدف إلى حماية سيادتها الوطنية. لكن الدول الغربية وإسرائيل ترى أن التطوير المستمر لصواريخ دقيقة وطويلة المدى، مثل “فاتح-313″، يشير إلى طموحات أوسع تتجاوز الدفاع، خاصة عندما يُقرن مع قدرات تخصيب اليورانيوم التي وصلت إلى 60%، وهي نسبة قريبة من المستوى المطلوب لصنع أسلحة نووية. هذا التكامل بين البرنامجين يجعل إيران تهديداً محتملاً للأمن الإقليمي، حيث يمكن أن تستخدم صواريخها لنقل أسلحة نووية أو تقليدية إلى أهداف بعيدة.

لماذا تشكل إيران خطراً على إسرائيل؟

إسرائيل تعتبر البرنامج النووي الإيراني تهديداً وجودياً لعدة أسباب. أولاً، التوترات التاريخية بين البلدين، التي تفاقمت بعد الثورة الإسلامية عام 1979، حيث أصبحت إيران أحد أبرز الداعمين للجماعات المعادية لإسرائيل مثل حزب الله والحوثيين. تصريحات المسؤولين الإيرانيين، التي غالباً ما تتضمن تهديدات ضد إسرائيل، تزيد من حدة هذه المخاوف.


ثانياً، قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم إلى مستويات عالية (60% حالياً) تقلل من “زمن الاختراق النووي“، أي الوقت اللازم لإنتاج سلاح نووي، إلى أسابيع فقط إذا اتخذت إيران قراراً سياسياً بذلك. هذا التقدم التقني، إلى جانب امتلاكها صواريخ باليستية دقيقة، يعني أن إيران قد تكون قادرة على استهداف إسرائيل بسلاح نووي في المستقبل.

ثالثاً، الضربات الإسرائيلية الأخيرة على منشآت نووية وعسكرية إيرانية، مثل عملية “الأسد الصاعد” في يونيو 2025، كشفت عن ضعف الدفاعات الإيرانية، لكنها أيضاً أثارت مخاوف من أن هذه الهجمات قد تدفع إيران لتسريع برنامجها النووي كرد فعل. تقارير تشير إلى أن إيران تمتلك ما يكفي من اليورانيوم المخصب لصنع تسع قنابل نووية، مما يجعل أي تصعيد عسكري محفوفاً بالمخاطر.

رابعاً، إيران تمتلك شبكة استخباراتية وأسلحة سيبرانية متقدمة، مما يعزز قدرتها على الرد على إسرائيل بطرق غير تقليدية. على سبيل المثال، أعلنت إيران حيازتها وثائق حساسة حول البرنامج النووي الإسرائيلي، مما يشير إلى حرب استخباراتية مستمرة قد تزيد من التوترات.

أخيراً، هناك مخاوف من أن استهداف المنشآت النووية الإيرانية، مثل فوردو وبوشهر، قد يؤدي إلى كارثة بيئية تشبه تشيرنوبل، مما يزيد من تعقيد الوضع الإقليمي. هذه المخاطر تجعل إسرائيل ترى أن منع إيران من امتلاك سلاح نووي هو أولوية استراتيجية، حتى لو تطلب ذلك عمليات عسكرية استباقية.

التحديات والمخاطر المستقبلية

على الرغم من الجهود الدولية، بما في ذلك العقوبات وقرارات مجلس الأمن الدولي مثل القرار 1929 (2010) والقرار 2231 (2015)، لم تنجح الدبلوماسية بشكل كامل في احتواء طموحات إيران النووية. الاتفاق النووي لعام 2015 (JCPOA) وضع قيوداً على تخصيب اليورانيوم، لكن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق عام 2018 وتشديد العقوبات دفعا إيران لاستئناف أنشطة التخصيب بنسب أعلى.

من جهة أخرى، إسرائيل تواصل عدوانها على إيران، لكن هذه الضربات قد تكون لها نتائج عكسية. بعض التقارير تشير إلى أن الهجمات قد تدفع إيران للانسحاب من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية والسعي الصريح لتطوير أسلحة نووية. كما أن إيران تمتلك القدرة على الرد عبر صواريخها الباليستية أو هجمات سيبرانية، مما يجعل أي مواجهة محتملة ذات تكلفة باهظة للطرفين.


الوسوم

مريم الهاني

صحفية متخصصة في القضايا السياسية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق