سياسة
الهجوم الأمريكي على المنشآت النووية الإيرانية: بين الرواية الرسمية وتساؤلات الفاعلية

في 22 يونيو 2025، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تنفيذ الولايات المتحدة ضربات جوية استهدفت ثلاث منشآت نووية رئيسية في إيران: فوردو، نطنز، وأصفهان، ضمن عملية أُطلق عليها اسم “مطرقة منتصف الليل”. جاءت هذه الضربات في سياق التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل، وبعد أيام من هجمات إسرائيلية استهدفت مواقع إيرانية. أثارت هذه العملية جدلاً واسعاً حول فعاليتها، خاصة مع وجود تقارير تشير إلى أن الأضرار التي لحقت بالمنشآت النووية الإيرانية لم تكن بالحجم الذي زعمته الإدارة الأمريكية، وأن إيران ربما نجحت في حماية مواردها النووية الحساسة قبل الهجوم الأمريكي .
خلفية الهجوم الأمريكي
جاء الهجوم الأمريكي بعد أسابيع من التوترات المتصاعدة بين إيران وإسرائيل، التي بدأت بهجمات إسرائيلية مفاجئة في 13 يونيو 2025 استهدفت مواقع عسكرية ونووية إيرانية. وفي ظل فشل المفاوضات الدبلوماسية لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015 (JCPOA)، ومع اقتراب إيران من تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60% – وهي نسبة قريبة من المستوى المطلوب لصنع أسلحة نووية – قررت إدارة ترامب التدخل العسكري المباشر. أعلن ترامب أن الضربات دمرت المنشآت النووية الإيرانية “بالكامل”، مشيراً إلى أنها استهدفت مراكز تخصيب اليورانيوم في فوردو ونطنز، ومركز الأبحاث النووية في أصفهان. ومع ذلك، سرعان ما ظهرت تقارير تشكك في هذه الرواية، مشيرة إلى أن الأضرار كانت محدودة، وأن إيران ربما استعدت مسبقاً للحد من تأثير الهجوم.
رواية الإدارة الأمريكية وادعاءات التدمير الكامل
في خطاب متلفز من البيت الأبيض، وصف ترامب الضربات بأنها “نجاح عسكري باهر”، مؤكداً أن المنشآت النووية الإيرانية “دُمرت بالكامل”. وأشار إلى أن العملية نُفذت باستخدام قاذفات B-2 Spirit الشبحية، مدعومة بطائرات F-22 وF-35 وصواريخ توماهوك التي أطلقتها غواصة أمريكية في الخليج. كما أشاد بالتنسيق مع إسرائيل، واصفاً إياه بـ”عمل فريق لم يسبق له مثيل”. ومع ذلك، فإن هذه التصريحات تواجه تساؤلات حول مدى دقة تقييم الأضرار، خاصة مع تأكيد مسؤولين إيرانيين أن المنشآت لم تتعرض لأضرار جسيمة، وأن عمليات تخصيب اليورانيوم لم تتوقف.
تقارير استخباراتية أمريكية أولية، بالإضافة إلى تحليل صور الأقمار الصناعية، أشارت إلى أن الضربات تسببت في أضرار ملحوظة، خاصة في منشأة فوردو، حيث أظهرت صور الأقمار الصناعية ست حفر كبيرة تشير إلى استخدام ذخائر ثقيلة. ومع ذلك، أكدت مصادر إيرانية، بما في ذلك وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية (إرنا)، أن المواد المشعة لم تكن موجودة في المواقع المستهدفة أثناء الهجوم، مما يشير إلى أن إيران ربما تلقت تحذيراً مسبقاً ونقلت اليورانيوم المخصب إلى مواقع آمنة. هذا الادعاء يتماشى مع تقارير سابقة عن قدرات إيران الاستخباراتية، التي مكنتها من تتبع تحركات عسكرية إسرائيلية وأمريكية في المنطقة.
التشكيك في استخدام قنابل GBU-57 الخارقة
زعم البنتاغون أن العملية استخدمت قنابل GBU-57A/B Massive Ordnance Penetrator (MOP)، وهي قنابل خارقة للتحصينات تزن حوالي 13.6 طن، وتُعد الأقوى من نوعها في الترسانة الأمريكية غير النووية. صُممت هذه القنبلة لاختراق المنشآت المحصنة تحت الأرض، مثل منشأة فوردو التي تقع على عمق 80-90 متراً داخل جبل وربما أكثر. ومع ذلك، هناك شكوك حول استخدام هذه القنبلة بسبب تكلفتها المالية الباهظة، حيث تُقدر تكلفة كل قنبلة بحوالي 3.5 مليون دولار، بالإضافة إلى تكاليف النقل والتشغيل التي تتطلب طائرات B-2 المتقدمة.
بدلاً من ذلك، تشير بعض التحليلات إلى أن الولايات المتحدة ربما استخدمت ذخائر أقل تكلفة، مثل صواريخ توماهوك أو قنابل موجهة أخرى، لتحقيق تأثير مشابه ولكن بفعالية أقل ضد المنشآت المحصنة. على سبيل المثال، أشارت تقارير إلى أن صواريخ توماهوك، التي أطلقت بأعداد كبيرة (30 صاروخاً على نطنز وأصفهان)، ربما استُخدمت لاستهداف البنية التحتية السطحية بدلاً من الأهداف تحت الأرض. كما الجيش الأمريكي يتوفر على 20 قنبلة فقط من هذا النووع ، فكيف له أن يستعمل 13 منها في هجوم واحد و يهدد احتياطه الاستراتيجي . هذا الخيار يتماشى مع استراتيجية تقليل التكاليف، خاصة في ظل الضغوط الاقتصادية التي تواجهها الولايات المتحدة في عملياتها العسكرية الخارجية.
علاوة على ذلك، فإن تحليل صور الأقمار الصناعية، الذي أجرته شركة ماكسار، أظهر وجود حفر ارتطام، لكنها لم تكن بالحجم المتوقع من قنبلة GBU-57، التي تُصمم لاختراق أعماق كبيرة وتدمير بنى تحتية محصنة. كما أن غياب حفر انفجار هائلة عند نقاط الدخول يدعم الفرضية القائلة إن القنابل المستخدمة ربما لم تكن من طراز GBU-57، بل ذخائر أقل قدرة على الاختراق، مما قلل من تأثير الهجوم على المنشآت المحصنة مثل فوردو.
نقل اليورانيوم المخصب إلى مكان آمن
واحدة من أبرز النقاط التي أثارت الجدل هي التقارير التي أفادت بأن إيران نجحت في نقل اليورانيوم المخصب من المنشآت المستهدفة إلى مواقع آمنة قبل الهجوم. وفقاً لوكالة أنباء الجمهورية الإسلامية (إرنا)، لم تكن هناك مواد مشعة في المواقع الثلاث أثناء الضربات، مما يعني أن إيران ربما تلقت تحذيراً مسبقاً من مصادر استخباراتية أو رصدت تحركات عسكرية أمريكية وإسرائيلية. هذه الخطوة تتماشى مع استراتيجية إيران طويلة الأمد في حماية برنامجها النووي، حيث طورت شبكة من المنشآت السرية وأنظمة الحماية لضمان استمرارية أبحاثها.
تقارير استخباراتية سابقة، بما في ذلك وثائق سرقتها المخابرات الإسرائيلية عام 2018، أشارت إلى أن إيران تمتلك خطط طوارئ لنقل المواد النووية الحساسة في حالة التهديدات العسكرية. كما أن إيران عززت منشآتها تحت الأرض، مثل فوردو، لتكون أكثر مقاومة للضربات الجوية، مما يعني أنها ربما توقعت هجوماً محتملاً وقامت باتخاذ الاحتياطات اللازمة. هذا الإجراء قلل من تأثير الهجوم الأمريكي ، حيث ظل الجزء الأساسي من البرنامج النووي – أي المواد المخصبة – بعيداً عن الأذى.
تداعيات الهجوم الأمريكي وردود الفعل الدولية
ثارت الضربات الأمريكية ردود فعل متباينة. من جهة، أشاد مسؤولون إسرائيليون، بمن فيهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بالعملية، معتبرين أنها خطوة حاسمة لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية. ومع ذلك، أدانت دول مثل روسيا والصين وباكستان الهجوم، واصفة إياه بانتهاك للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. كما حذر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، من أن الضربات تمثل “تصعيداً خطيراً” قد يؤدي إلى حرب إقليمية.
من جانبها، أعلنت إيران عن مقتل ستة من أفراد جيشها في هجمات إسرائيلية متزامنة، وتعهدت بالرد، محذرة من أن الهجمات الأمريكية ستكون لها “عواقب وخيمة”. ومع ذلك، أكدت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية أن عمليات التخصيب لم تتوقف، مما يدعم الرواية القائلة إن الضربات لم تحقق الهدف الاستراتيجي المتمثل في القضاء على البرنامج النووي الإيراني.
الحصيلة
الهجوم الأمريكي على المنشآت النووية الإيرانية في يونيو 2025، على الرغم من الضجة الإعلامية التي أحاطت به، لم يحقق الأهداف الاستراتيجية التي روجت لها إدارة ترامب. الشكوك حول استخدام قنابل GBU-57 الخارقة، بسبب تكلفتها العالية، والدلائل على نقل إيران لليورانيوم المخصب إلى مواقع آمنة، تشير إلى أن الضربات كانت أقل فعالية مما زُعم. في حين أن الهجوم قد يكون ألحق أضراراً ببعض البنى التحتية، فإن قدرة إيران على مواصلة برنامجها النووي، إلى جانب تهديداتها بالرد، يجعل الوضع أكثر تعقيداً. هذا التصعيد يؤكد الحاجة إلى حلول دبلوماسية مستدامة لتجنب حرب إقليمية قد يكون لها عواقب وخيمة على الشرق الأوسط والعالم.
المراجع:
تقارير وكالة الطاقة الذرية الدولية، يونيو 2025.
تحليل صور الأقمار الصناعية، ماكسار تكنولوجيز، يونيو 2025.
تصريحات دونالد ترامب، تروث سوشيال، 22 يونيو 2025.
تقارير إعلامية من CNN وBBC، يونيو 2025.