سياسة
صندوق النقد الدولي : منظومة الشر التي تحرق الفقراء بالديون
صندوق النقد الدولي يعد منظمة مدرجة تحت منظومة الأمم المتحدة، وقد أنشئ بموجب معاهدة دولية في عام 1945، وذلك “نظريًا” للعمل على تعزيز سلامة الاقتصاد العالمي، ويعد المؤسسة المركزية الأقوى في النظام النقدي الدولي، أي نظام المدفوعات الدولية وأسعار صرف العملات الذي يسمح بإجراء المعاملات التجارية بين البلدان المختلفة.
وتأتي أموال الصندوق من الدول الأعضاء فيه، وتبعًا لحجم الحصص يتحدد عدد الأصوات المخصصة لكل بلد عضو، حيث كلما ازداد حجم اقتصاد العضو من حيث الناتج وازدياد اتساع تجارته وتنوعها، ازدادت بالمثل حصته في الصندوق وازدادت فرصه في الحصول على قروض أكثر من الآخرين. تتربع الولايات المتحدة الأمريكية على عرش الصندوق الدولي حيث تبلغ حصتها 17.6%.
أما الوجه الغير ظاهر من صندوق فقد عبر عنه “جون بيركنز” مؤلف كتاب “الاغتيال الاقتصادي للأمم” (اعترافات قرصان اقتصاد).
حيث أشار إلى دور الصندوق كأحد أدوات بناء إمبراطورية عالمية تسيطر من خلالها منظومة الشركات الكبرى على اقتصاد العالم، من خلال أخطر الوظائف في العالم، التي تتمثل في نهب وتدمير اقتصاد الدول النامية، والهدف من ذلك استمرار تبعيتها للسياسة المالية العالمية.
وذلك عبر استخدام ألفاظ الحكم الرشيد وتحرير التجارة وحقوق المستهلك وعلى الدول التي تقبل هذه المفاهيم خصخصة الخدمات القومية مثل الصحة والتعليم وخدمات المياه والكهرباء، أي أن تبيعها للشركات الكبرى دون أي حماية للمواطنين.
إذ تقوم المنظمات المالية الدولية بخلق ظروف تؤدي إلى خضوع الدول النامية لهيمنة النخبة المالية العالمية، التي تدير المنظمات والشركات والبنوك، وبناء على ذلك توافق المنظمات المالية على تقديم قروض للدول النامية المستهدفة، بغرض تطوير البنية الأساسية وإصلاح الاقتصاد.
ولكن مع وضع شروك تنفيذ هذه الخطط والمشروعات بأدوات المنظمات المالية العالمية التي غالبًا ما تدار من واشنطن، وفي حقيقة الأمر بحسب الكتاب فإن الأموال بهذه الطريقة لا تغادر الولايات المتحدة، حيث تتحول ببساطة من حسابات بنوك واشنطن، إلى حسابات شركات في نيويورك أو هيوستن أو سان فرانسيسكو.
والنتيجة يصفها لنا عالم الاقتصاد ميشيل تشوسودوفيسكي، الذي أكد أن برنامج صندوق النقد الدولي قد يترك البلد المستهدفة في بعض الأحيان فقيرة كما كان من قبل، لكن مع مديونية أكبر وصفوة حاكمة أكثر ثراءً.
تجارب صندوق النقد الدولي السوداء
كان الاقتصاد اليوناني في أضعف حالاته مقارنة بدول الاتحاد الأوروبي قبيل الانضمام إليه، ولذلك كان هناك عزوف استثماري عن هذا البلد الفقير نسبيًا، ولكن بعد انضمامها لمنطقة اليورو، اختلفت النظرة بسبب الدور المتوقع لمنطقة اليورو في إنقاذ اليونان من أي أزمة مالية.
وهو الأمر الذي أعطى ثقة نسبية وفتح الباب أمام منظمات التمويل الدولي لإقراض الحكومة اليونانية بشكل متسارع، حتى وقعت أثينا في الفخ عام 2009، واكتشفت الفاجعة أن، حيث استمرت نسبة الدين للناتج المحلى الإجمالي في ارتفاع حتى تفاقمت بشكل واضح.
تدخل صندوق النقد الدولي والدول الأوروبية المانحة بعلاج الاقتراض مرة أخرى، لكن هذه المرة ستكون بشروطهم وخططهم الاقتصادية شديدة التقشف، وهو ما لم تتحمله اليونان كثيرًا، مع نسبة ديون للناتج تفوق 175% في عام 2015.
هكذا كانت خلاصة تجربة البرازيل في الثمانينات مع صندوق النقد الدولي، اقترضت البرازيل أموالًا جديدة لسداد القروض القديمة. “العقد الضائع” من حياة البرازيل شهد نقل هائل للثروة الوطنية إلى خارج البلاد حيث دفعت الحكومة البرازيلية بين عامي 1985 و1989 ، 148 مليار دولار : 90 مليار دولار منها لفوائد القروض الأجنبية.
خلال أربع سنوات دفعت البرازيل 90 مليار دولار فوائد فقط للديون، وبسبب صندوق النقد هاجر 4 ملايين من الريف إلى المدينة، حتى أن البنك الدولي يتدخل في وضع الدستور البرازيلي ويشعل الصدامات في صفوف الشعب البرازيلي.
رفعت أسعار الفائدة، وظهر عدم تطابق وسائل الصندوق مع غاياته، حيث كانت شروط صندوق النقد الدولي تدخل واضح في سيادة الدولة، حتى أن قانون المسؤولية المالية خفض التغذية المدرسية للطلاب، وكانت معالجة التضخم المالي بتسريح العمال وخفض أجورهم دون أي اهتمام.
وعلى الرغم من محاولة تعافي الاقتصاد البرازيلي من هذه الأزمة بعد ذلك إلا أن أثارها لا تزال باقية حتى الآن فمنذ تسعينيات القرن الماضي، تشير أرقام الأمم المتحدة إلى أن 20 % من السكان في البرازيل يسيطرون على 80 % من ثروة البلاد، ووفقا لإحصاءات الحكومة 1% من السكان يمتلكون نصف الدخل القومي. كذلك ما لا يقل عن نصف القوة العاملة في البلاد في هذا البلد المكون من 167 مليون شخص يكسب كحد الأدنى للأجور أقل من 77 دولار شهريًا.
في نوفمبر من عام 1999، وضعت إدارة كاردوسو البرازيل تحت رحمة صندوق النقد الدولي بدرجة أكبر عندما وافق على حزمة قروض جديدة من الصندوق مقدارها 5،41 مليار دولار، وهكذا تستمر الدوام .
تجارب اليونان والبرازيل ليست الوحيدة التي ضلع في تدميرها صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية العالمية، حيث سيطرت هذه المؤسسات على عشرات الدول داخل أفريقيا وأمريكا اللاتينية بنفس الخطوات التي ذكرناها في تجارب كل من البرازيل والأرجنتين.
وقد كانت هناك تجارب أخرى حاولت الإفلات من هذه الشبكة المدمرة تزعمتها تركيا وماليزيا وإندونيسيا لكن بنسب متفاوتة، إلا أن هناك إجماع على ضرورة تجنب هذه المؤسسات التي تغري الدول في البداية ما إن تتمكن من الاقتصاد حتى تفرض شروطها المجحفة التي تعد بمثابة احتلال اقتصادي مكتمل الأركان، قد يوصل إلى التدخل في وضع العقد الاجتماعي للدولة مثلما حدث في تجربة البرازيل .