الدكتور عبد الجليل أميم، كاتب في سيدي المختار نيوز https://sidimokhtarnews.com/author/jalil/ صوت سيدي المختار إلى العالم Sat, 26 Aug 2023 23:20:32 +0000 ar hourly 1 https://wordpress.org/?v=6.5.3 https://sidimokhtarnews.com/wp-content/uploads/2021/08/cropped-favicone-سيدي-المختار-نيوز-32x32.jpg الدكتور عبد الجليل أميم، كاتب في سيدي المختار نيوز https://sidimokhtarnews.com/author/jalil/ 32 32 111973535 الآثار النفسية للصورة التي نحملها عن الله https://sidimokhtarnews.com/%d8%a7%d9%84%d8%a2%d8%ab%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%81%d8%b3%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d9%84%d8%b5%d9%88%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%8a-%d9%86%d8%ad%d9%85%d9%84%d9%87%d8%a7-%d8%b9%d9%86-%d8%a7/ https://sidimokhtarnews.com/%d8%a7%d9%84%d8%a2%d8%ab%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%81%d8%b3%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d9%84%d8%b5%d9%88%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%8a-%d9%86%d8%ad%d9%85%d9%84%d9%87%d8%a7-%d8%b9%d9%86-%d8%a7/#respond Fri, 25 Aug 2023 10:33:12 +0000 https://sidimokhtarnews.com/?p=372 يمكن أن يكون الإيمان الراسخ بالله مفيدًا للغاية في كل الوضعيات التي يعيشها المومنون به، فهم بين الشكر والحمد يتقلبون، وبين الخوف والطمع يتحركون

ظهرت المقالة الآثار النفسية للصورة التي نحملها عن الله أولاً على سيدي المختار نيوز.

]]>
يمكن أن يكون الإيمان الراسخ بالله مفيدًا للغاية في كل الوضعيات التي يعيشها المومنون به، فهم بين الشكر والحمد يتقلبون، وبين الخوف والطمع يتحركون، فرحين تارة، وقلقين أو مضطربين تارة أخرى، وراجعين إلى توازنهم وتكيفهم مع أوضاعهم في نهاية لا توازنهم . لكن كما أن الإيمان يمكن أن ينفعك ويضبط دواخلك، فإنه قد يجعلك مريضًا أيضًا.

هب أن إيمانك انزاح عن الاعتدال في كل شيء، فإنه يقينا سيصبح وبالا عليك وعلى غيرك، وأخص بالذكر هنا، إيمانك بالله وفق صورة معينة طورتها عنه من خلال مراحل تثقيفك وتنشئتك وتربيتك، ولنتصور أنك استدخلت صورة الله المعاقب، الإله القاهر، الرب الشديد المنتقم شديد البأس، أي أنك تشربت صورة الله على أنه غير رحيم أو أن رحمته ضيقة لا تلامس إلا من وصل درجة الإحسان وتجاوز مدارك الإيمان، أتساءل معك ما نوع وطبيعة الاضطرابات النفسية التي يمكن أن يحدثها فيك مثل هذا المعتقد الذي تؤمن به، وتعتنق أصوله وتأتي بالـأعمال المؤدية إليه؟

إن أول ما يمكن أن يصيب المرء هو الخوف، لكنه ليس الخوف الطبيعي الذي نحسه جميعا، بل الخوف المرضي، الذي يكبل الفرد، إنه يتطور إلى رهاب ربوبي أو اعتقادي ، إنها حالة يَشعرُ معها الشّخص عند مواجهة هذا التصور بأنّه لا شيء، ضعيف حد السقوط، فاقد للسيطرة على أحاسيسه، مذعور من ذكر الله أو ذكر أي شيء يقرب إليه، إنه إله قاهر ومخيف ويجب أن نتجنبه. إن هذه الصورة السلبية عن الله يمكن أن تؤدي إلى مشاكل نفسية مدمرة.

إن العامل الحاسم في معرفة ما إذا كان الإيمان يجلب السعادة أم الشقاء والرهاب، هو صورة المؤمن عن الله ، لأننا إذا نظرنا إلى الله بإيجابية فإن ذلك يساعدنا على إيجاد معنى للحياة وللدين وللعمل ، ولكن إذا طورنا صورة سلبية عن الله ونظرنا إليه باعتباره منتقمًا يعاقب الناس على خطاياهم ولا تسعهم رحمته فإن مثل هذا الاعتقاد يعيقنا ويشل حركتنا في قدرتنا على التعامل مع أعباء الحياة ومقتضيات الإيمان، بل ويصبح الإيمان نفسه عبئا علينا. ولو تتبعنا الخوف في علم النفس لرأينا أنه يقود بل ويتحول في مثل هذه الحالات إلى عدوان ، فيعتدي الفرد على نفسه وحريته ومحيطه ويلوم الناس الآخرين والظروف والكون وقد ينقلب الإيمان إلى كره للدين والتدين بل وانقلابا إلى كفر. إن قوله عز وجل: (يدعون ربهم خوفا وطمعا) يحيل على خاصية سيكولوجية مهمة وهي: أن الخوف من الله لوحده ليس من مميزات المؤمنين بل عليهم أن يزاوجوا بين الخوف الطبيعي والطمع في رحمة الله التي قال رب العزة عنها: ( ورحمتي وسعت كل شيء). إن الهدف واضح في القرآن: لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. يكاد يكون الخوف في القرآن بمعنى الحذر المولد لإتيان الأفعال الأكثر صوابا، كما أنه لا يلغي إمكانية الخطأ بل يجعلها طريق الصواب،

(إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما).

وبناء ، عليه فعمق الدين وأهميته وقيمته تتجلى في نوعية الأخلاق التي يمكن تأسيسها على مسلماته ومضامينه الاعتقادية والعملية. الدين الذي يؤسس للخوف والعدوان ويجعل الحياة مستحيلة وصعبة لا يمكن أن يكون من عند الله بل غالبا هو تأويل المؤولين، إذ يعمدون إلى تضخيم جوانب على حساب أخرى حتى تتشكل الفهوم التي يميلون إليها والتي تتوافق مع نفسياتهم.

أعتقد أن الأديان جاءت لتأثيث جوانية الفرد بالحب لا بالكره، بالحب لا بالخوف الرهابي، وفي نفس الوقت جاءت لتنبهه إلى السوء وضرورة تجنبه حتى تستمر الحياة ويقل الشر في الوجود لأننا كائنات كتب علينا أن نعيش في إطار مجتمعات تنضبط بضوابط دينية أخلاقية قانونية حتى نستطيع السيطرة على انزياحات بعضنا نحو الشر وميول آخرين إلى المثاليات.

لا ننفي أبدا أن الدين في بعض الحالات يستعمل الخوف لخلق وتطوير مشاعر الذنب في جوانية الأفراد ودفعهم للتراجع عن تكرار ما يؤذي غيرهم. وقد يربطه البعض بعدم إتيان شعيرة أو التهاون فيها مما يخلق في داخل الفرد هلعا نابعا من تصور مفاده: أنك ذاهب إلى النار يقينا لأنك لم تؤدي هذه الشعيرة أو تلك.

إن مثل هذه التصورات التي يحل أصحابها محل الله في الحكم على آخرة الناس متسلحين بهذه التهديدات ستؤثر يقينا على المؤمن فما بالك بغير المؤمن، ولا يصمد أمامها إلا الأشخاص الوسطيين في فهم المعتقد ومقتضياته ، ولكن غالبًا ما يكون ذلك أمرًا لا يحتمل بالنسبة للأشخاص الخائفين والمعرضين للخوف. ويتحولون إلى أناس مهووسين بدينهم المبني على فهمهم أو تأويل غيرهم من خلال تجاربهم الخاصة التي قد تتجاوز بكثير ما يفترض أن يقوله الدين نفسه، إنه ما يسمى بالتنطع أو الإفراط المؤدي إلى التفريط بل والانفصال الكلي عن الاعتقاد.

إن آثار الإيمان متناقضة تمامًا. فقد يكون من الضار سيكولوجيا التمسك ببعض التأويلات الصارمة التي تخاطب العزيمة وتضع أمام الناس صورة لله على أنه العنيف المنتقم بهدف تطوير الشعور بالضغط النفسي المؤدي حسب تخيلاتهم إلى الانضباط الديني متناسين أنه يؤدي كذلك ويقينا إلى الخروج من الدين ،

إن الله في ديننا الإسلامي هو كل شيء، وعليه يجب أن نجد فيه عز وجل كل شيء، بل وبالضبط أجمل الأشياء فلا نفهم صفة الانتقام إلا في إطار العدل والحب، وصفة الجبار إلا في إطار العدل والحب، وصفة القوي إلا في نفس الإطار، إن غاية الله هي إسعاد البشر بتوجيهات فيها واجبات وحقوق، والأصل هو الإتيان بالواجبات اجتهادا وفق القاعدة الإلهية: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها. وكل واحد منا يعرف وسعه، ويفعل وسعه وهو يحب الله ويطمع فيه طمعا لا طمع بعده.

لا أشك لحظة أن الصورة التي استدخلناها عن الله في الصغر وتؤثث نفوسنا هي نفسها خريطة شخصيتنا وبوصلة توجهنا، فكل سلوك نأتيه له وصل بها صلاحا أو فسادا. فالنظام الداخلي لشخصيتنا وبنياتنا الفكرية ومنطق تفكيرنا شكل نسقا داخليا نفك به شفرة عالمنا الخارجي. وبناء عليه، يمكن أن نعمل على التفكر في نوع الرابطة التي نريدها مع الله؟ هل نريد إلاها يرعبنا فقط؟ أم إلاها يرحمنا فقط؟ أم إلاها يحذرنا من أنفسنا ومن غضبه حبا فينا وخوفا علينا لا انتقاما منا؟ أم إلاها خلقنا ضعفاء لكنه رحيم بنا لا منتقم منا؟ أم إلاها يعلم نقصنا ويريد كمالنا وهو خالق نقصنا؟ أي صورة من هذه الصور تبنيناها فإن لها تبعات على سلوكاتنا وتوازننا النفسي. الجواب يكمن في البحث عن الصورة الانثربولوجية التي يتضمنها ديننا أو معتقدنا؟ أي القدرة على الجواب عن السؤال الأنثربولوجي: ما الإنسان في الإسلام؟

يسر الله أمركم

ظهرت المقالة الآثار النفسية للصورة التي نحملها عن الله أولاً على سيدي المختار نيوز.

]]>
https://sidimokhtarnews.com/%d8%a7%d9%84%d8%a2%d8%ab%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%81%d8%b3%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d9%84%d8%b5%d9%88%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%8a-%d9%86%d8%ad%d9%85%d9%84%d9%87%d8%a7-%d8%b9%d9%86-%d8%a7/feed/ 0 372
ما الله ؟ محاولة للإجابة على هذا السؤال من خلال تأملات قرآنية https://sidimokhtarnews.com/%d9%85%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%9f-%d9%85%d8%ad%d8%a7%d9%88%d9%84%d8%a9-%d9%84%d9%84%d8%a5%d8%ac%d8%a7%d8%a8%d8%a9-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d9%87%d8%b0%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%a4%d8%a7%d9%84/ https://sidimokhtarnews.com/%d9%85%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%9f-%d9%85%d8%ad%d8%a7%d9%88%d9%84%d8%a9-%d9%84%d9%84%d8%a5%d8%ac%d8%a7%d8%a8%d8%a9-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d9%87%d8%b0%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%a4%d8%a7%d9%84/#comments Fri, 09 Oct 2020 13:54:03 +0000 https://sidimokhtarnews.com/?p=257 وقد يتوجه بهذا السؤال إلى غيره ممن يثق في ذكائهم الإيماني، ويعتقد في كونهم موهوبين ومؤمنين، أو يسكت ولا يسأل مخافة أن يعترض عن سؤاله من طرف غيره، أو أن يرمى بما هو بعيد عنه. لكن من غريب اللطائف أن هذا السؤال اعتبره الله طبيعيا وعاديا ومشروعا بل وأعطى إجابات متنوعة عن هذا السؤال الوجودي، فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب).

ظهرت المقالة ما الله ؟ محاولة للإجابة على هذا السؤال من خلال تأملات قرآنية أولاً على سيدي المختار نيوز.

]]>
نعتقد أنه من الطبيعي أن يسأل الإنسان نفسه في لحظات غير قليلة بسؤال محير مفاده: ما الله ؟

وقد يتوجه بهذا السؤال إلى غيره ممن يثق في ذكائهم الإيماني، ويعتقد في كونهم موهوبين ومؤمنين، أو يسكت ولا يسأل مخافة أن يعترض عن سؤاله من طرف غيره، أو أن يرمى بما هو بعيد عنه. لكن من غريب اللطائف أن هذا السؤال اعتبره الله طبيعيا وعاديا ومشروعا بل وأعطى إجابات متنوعة عن هذا السؤال الوجودي، فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب).

بل من الجمال واللطف والمحبة والعلو الرباني أنه سمح به لأنبيائه، فقد قال موسى لله مباشرة: (قال رب أرني أنظر اليك)، إن موسى لا يسأل فقط عن الله أو من هو الله، بل يريد رؤيته مباشرة.

لكن الناس تسأل عن الله مراراً وتكراراً بهدف معرفته، أو بنفوس مليئة بالأمل والحنين والشوق لرب جميل يحسونه في دواخلهم، وأحياناً أخرى بوجدانيات مليئة بالخوف منه أو من واقعهم، بل وقد يسألون عنه في حالات اليأس العميق، وفي بعض الأحيان قد يصمت هذا السؤال ولا يخرج إلى الوجود وإن كان يملأ الصدور بل يغمرها، وهناك من الناس من يعيش بدون الله لدرجة أنه لا يسأل عنه إما حسما مع نفسه في ألوهية ذاته، أو فقط لأنه لا يهتم بوجود الله من عدمه مع أنه جوانيا على يقين من أن الله موجود.

لكن ماذا يعني في الواقع أن نطرح هذا السؤال؟

إنني أعتقد أن من يطرح سؤال الله، يطرح سؤال الوجود، يطرح سؤال هذا الكل المركب الذي يلفنا ونلفه، يطرح سؤال البدايات والنهايات والسيرورات والانتقالات والأزمات والتطورات والعلوم والحيوانات والجمادات والنباتات، لكن هناك أمر أعمق من هذه الموجودات الظاهرة، إن السؤال عن الله هو سؤال عن الإنسان، سؤال عن النفس كذلك، سؤال عن ماهية الإنسان، سؤال عن حريته وإرادته وخيره وشره.

ويكاد يكون سؤال الله هو أهم سؤال على الإطلاق في الوجود، لأن ما دونه متعلق به وتابع له لزوما. ومن عظمة الإنسان أنه هو الكائن الوحيد (هل الأقل فيما نعرف حتى الآن) الذي يمكنه أن يطرح هذا السؤال، وقد يمكنه الجواب عنه من إيجاد إيجابات تهمه مباشرة كإنسان، فهو سؤال حول الله، لكن أجوبته تعانق الإنسان جملة وتفصيلا في أعماله، وأفكاره، وإنتاجاته المادية والمعنوية، في وجوده ومصيره، وسر حياته، بل في معنى ودلالة وجوده، وطريقة عيشه، ومسالك تنفيذ خطوات برنامج حياته…. لذلك وإن كان يظهر أن هذا السؤال تجريديا فهو في نفس الوقت مرتبط أكثر من غيره بالواقع العملي للإنسان.

ولأن السؤال جد مجرد، وجد عملي، ومركب من أعلى درجات التركيب، فلا يمكن لمن يتحدث عن الله أن يقول إنه يعرفه معرفة مطلقة أو أن الله واضح له وضوحا جليا لأنني أعتقد أن الأمر فيه وضوح وغموض، كما أظن أن في هذه الازدواجية في الماهية تتجلى عظمة الله، ويحلو النظر في سؤال: ما الله ؟ لأنه لو كان جليا لانتهى الأمر، لكن لكونه جلي وغامض استدعي الإيمان لا العلم، ففي الإيمان بالله شطر علمي وشطر إيماني، والشطر الإيماني هو مربط الفرس. ذلك أن الشطر العلمي متاح كوسمولوجيا ومنطقيا وتجريبيا ولو بنسبة معينة لكل الناس، والشطر الإيماني مخفي، وإخفاؤه هو بؤرة الإيمان ولبه، إذ بالعلم تستوي الحقائق عند الناس وبالعلم والإيمان تتفاوت القناعات والمعتقدات، فيقترب من يريد الاقتراب ويبتعد من يفضل الابتعاد.

لكن أين يمكن أن نجد الجواب عن سؤال: ما الله ؟

نحن أمام مسلكين: العلم والدين، ولأن العلماء قالوا لنا بأن أمر الله يتجاوز أدواتهم وهم عاجزون عن فهمه وإيجاد تفسير له، تركوه للأديان بالأساس وللفلسفة بعد ذلك.

أعتقد أنه أمام سؤال: ما الله؟ تنهار وتتفكك لغة الإنسان ومفاهيمه، وتعجز عن إبلاغ ماهيته، وبالرجوع إلى الدين وهنا أقصد الإسلام بالخصوص باعتباري مسلما، أفترض أن الجواب عن سؤالنا يقتضي منا البحث لا في كيف فكر الإنسان في الله (الفلسفة-علوم الدين.) بل كيف عرف الله نفسه للإنسان؟ ماذا قال هو عن نفسه عز وجل؟ وسيكون تحليلي مشدودا ومسيجا بإيماني به، لا بشكي في وجوده، فلا يهمني من شك، لأنني مومن به، والإيمان عندي من مقتضيات معرفة الله، فكل مقطوع عن الإيمان مقطوع عن الجواب عن سؤال: ما الله؟ ذلك أن العلم أعلن منذ زمن أن الله يتجاوز منهجياته وأدواته وحتى دائرة بحثه واهتمامه.

يتحدث الله عز وجل عن نفسه بأنه نور السماوات والأرض، وأنه حي قيوم، وبأنه رحيم، وبأنه شديد العقاب، وبأنه خافض ورافع، ومحيي ومميت،…..كل الصفات والأسماء تقول الكثير مما نفهمه من دلالاتها، كما قد يصيبنا العجز في فك دلالات ما نعتقد أنه يتناقض منها، بل إن الله عز وجل يحمل صفات نعتقد أن الإنسان يشاركه فيها، بل أكثر من ذلك يوجد في كل شيء، وفي كل الاتجاهات، وفي نفس الوقت لا نراه وليس كمثله شيء، لهذا قلت أن اللغة والمفاهيم تنهار أمام الله فهي لا تسعه عز وجل، فكما أنه أخبرنا بهذه الصفات أخبرنا كذلك بأنه لم يلد ولم يلد، وأنه لا شبيه له، وأنه لا كفء له، إنه من خلال سورة الإخلاص ينزع الشبه عن نفسه بالإنسان بالمطلق، وبذلك يزيل المصداقية عن منهج تفكيرنا فيه وهو قياسه على الإنسان.

مما يجعل تصورنا عنه يهتز ويرتعد ويسقط لأن سُمك وكثافة مفهوم الله عالية ومتجاوزة لماهية الإنسان. وهنا يجتمع في النظر إلى الله وماهيته عز وجل جانب فيه شيء من الوضوح قياسا على معرفتنا بالإنسان، وجانب فيه إخفاء لا ندرك عناصره لأنه يستدعي الإيمان لا العلم بمعناه المعاصر، فالله لا يُعرف تجريبيا بالحواس والملاحظة والقياس.

وما أن نواصل البحث حتى يزداد الأمر تعقيدا في قصة إبراهيم مع الكواكب والنجوم، لينزع الله عن نفسه الشبه بالكائنات الأخرى لأنه يعلم أن الخيال الإنساني قد يذهب به إلى أبعد مداه في تخيل الإله القاهر الكبير العالي المتعالي في السماء. هنا يضعنا أمام تحد فكري واعتقادي ومنهجي آخر ومفاده أن كل أنواع القياس التي ستخطر على بالكم ليست مناسبة لي وأنا لست ما تتصورون، سبحانه.

أما مع قصة موسى ورؤية الله، فقد زاد الأمر كثافة وعمقا، إذ نزع الله إمكانية رؤيته من أصلها في هذه الحياة الدنيا جملة وتفصيلا من طرف الإنسان في وضعه وإمكاناته الحالية، إذ كان كافيا فقط أن يتجلى الله إلى الجبل فينهار هذا الأخير، وينهار معه موسى عليه السلام ويفقد وعيه، ليقول لنا عز وجل: إنكم غير مجهزين في الدنيا بأية أدوات حسية يمكن أن تدركوني بها، فلا يبقى أمامكم إلا الإيمان. وبآية (ليس كمثله شي): نزع الشبه عن أي شيء نعرفه، وانهارت أدواتنا بالتمام والكمال ولم يبق إلا الإيمان أو الكفر.

وعليه، يمكن فقط أن نقول ما ليس هو الله لكن لا يمكن أن نقول بالضبط ما هو الله لأنه أخفى نفسه عنا في هذا الوجود المنظور ليظهرها لنا يوم لقائه في الوجود غير المنظور، واكتفى في هذه الدنيا بإعطائنا أدلة منطقية وأخرى علمية توصلنا إلى احتمال وجود الله ولا تفي بالاقتناع العقلي العلمي المطلق إلا إذا عانقت الإيمان، ولو جعل الله الأمر علميا وتجريبيا بالمطلق لأصبح شيئا وظاهرة قابلة للبحث، بل لما أصبح إلها ولدخل في زمرة الأشياء التي يسيطر عليها الإنسان بالعلم، وهو منزه عن ذلك لأنه (سبحان الله عما يصفون).

فكما أن الإنسان حر ويمتلك إرادة، فإن حرية الله وإرادته لا حدود لها حتى أضحت حرية الإنسان وإرادته من فيض الله على الإنسان، وبناء عليه يفعل الله ما يشاء في الوجود ويتنزه في ملكه ويظر ما يشاء ويخفي ما يشاء. أليس هو: َبدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ ۖ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) الأنعام).
إنه عز وجل مختلف تمامًا. بل يكاد يكون غريباً على الجميع وفي نفس الوقت معروفا للجميع، يظهر نفسه ويخفيها بعلامات أو إلهامات أو أحداث.

لكن هذا بالضبط هو ما يجعلنا نعتقد أن التفكير في الله يستدعي التحدث إليه لا عنه، وبما أراده هو لا بما نريده نحن، ولم لا أن ننخرط في قصة إيمانية معه عز وجل كقصة رمضان وأيامه، أو قصة الحج، أو قصة أزمات الخوف أو الفرح…. إن الجواب عن سؤال ما الله؟ يفترض بناء عليه، أن نكون على استعداد للبحث عنه تعالى في ملكه، لاكتشافه كما يقدم نفسه هو لا كما قدمه لنا غيرنا من خلال تأملاتهم واجتهاداتهم، وأن نكون أكثر جرأة في طرح سؤال جوهري مهم: هل واقعنا التجريبي منفصل عن المعنى؟ وهل سلوكاتنا منفصلة عن المعاني؟ وهل ما نعتقد أنه واقع تجريبي هو بالفعل الواقع الحقيقي أم أن اجتهادات غيرنا فصلت الواقع بناء على أدوات القبض عليه، فما أمسكت به اعترفت به، وما تجاوزها استبعدته؟ وهل استبعاده يحيل على كمال المنهج أم العكس؟ وكيف السبيل إلى مناهج أعمق وأدق تتصف بالتكامل لا بالاختزال؟ دعونا نحلم معكم ولا تحاسبوننا على أمانينا وآمالنا، ونتمنى أن تقبلوا منا تأملاتنا، والله ولينا جميعا. دعاؤكم

ظهرت المقالة ما الله ؟ محاولة للإجابة على هذا السؤال من خلال تأملات قرآنية أولاً على سيدي المختار نيوز.

]]>
https://sidimokhtarnews.com/%d9%85%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%9f-%d9%85%d8%ad%d8%a7%d9%88%d9%84%d8%a9-%d9%84%d9%84%d8%a5%d8%ac%d8%a7%d8%a8%d8%a9-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d9%87%d8%b0%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%a4%d8%a7%d9%84/feed/ 2 257