رياضة
عصام الحضري أسطورة من وحي الشعب المصري
حتى بطولة إفريقيا 2017، كان عصام الحضري قد حقق أسطورته الذاتية، بأربع بطولات إفريقية للمنتخبات، وأربع بطولات إفريقية للأندية، وأربع (سوبر إفريقية)، وعشر دوريات مصرية، وخمس كؤوس مصرية، كما حقق لقب أفضل حارس في إفريقيا من 2006 وحتى 2013. أرقام قياسية كان الاكتفاء بها كفيلًا بأن يجعله أسطورة لا تتكرر، لكن »العجوز« صاحب الـ44 عامًا كان له رأي آخر وخطط أخرى احتفظ بها لنفسه.
مع بداية بطولة أفريقيا كان الجهاز الفني للمنتخب بقيادة الأرجنتيني هيكتور كوبر، قد اختار ثلاثة حراس مرمى للمنتخب، وهم الحارس الأساسي شريف إكرامي، والحارسين الاحتياطيين أحمد الشناوي وعصام الحضري. وقبل المباراة الأولى مع منتخب مالي، كان قد تأكد غياب إكرامي بسبب الإصابة، ومن ثم قرر الجهاز الفني إشراك الحارس الشاب أحمد الشناوي. تأكد حينها أن الجهاز الفني لا يرى في الحضري سوى حارس ثالث للمنتخب، فلياقته البدنية وعمره لا يؤهلانه للتواجد بصفة أساسية على أرض الملعب، من وجهة نظر كوبر. نتوقف هنا لنعود لتلك اللحظة من جديد بعد قليل.
عصام الحضري ليس ابنًا لأحمد إكرامي!
شريف إكرامي هو نجل حارس مرمى منتخب مصر والنادي الأهلي السابق إكرامي، وأحمد الشناوي هو نجل ناصر الشناوي حارس مرمى المريخ البورسعيدي السابق، وقد تعرض شريف إكرامي بالأخص لبعض الانتقادات في مسيرته حول أنه وُرث حراسة المرمى عبر والده الذي يسر له السبل، أما عصام الحضري فله قصة أخرى تختلف تمامًا عنهما.
عصام هو ابن لأب من قرية كفر البطيخ بدمياط، كان يحرق له ملابس كرة القدم خاصته، حتى لا يعاود اللعب مرة أخرى. كان يتواطأ مع والدته على أن يقفز من النافذة ليلعب وقبل العودة كان عليه أن يقفز بملابسه المتسخة من أثر اللعب في الترعة حتى لا يشعر والده بأي شيء. كان يتلصص الذهاب إلى الدورات الكروية في دمياط، وحين يأتي موعد العودة في المساء، لا تكون هناك وسائل مواصلات فيضطر للعودة عدوًا مسافة سبعة كيلومترات إلى منزله.
حين تحقق له جزء من الحلم ولعب مع ناشئي دمياط، لم يكن لديه قفاز، وكان يتدرب بدونه في فصل الشتاء، وحين رق له مدربه وابتاع له قفازًا، ظل يتدرب بدونه، حتى لا يتمزق، وليحتفظ به للمباريات الهامة.
اللوزة الدماغية.. ادفع 3 ملايين دولار لتكون مثل الحضري!
في أول حصة تدريبية له بعد تحقيق حلمه بالانتقال للنادي الأهلي، لم يظهر عصام بالمستوى المطلوب، وفي صبيحة اليوم التالي استيقظ قبل الجميع فجرًا، وجلس في البرد القارس بمفرده ينتظر أن يستيقظ بقية الطاقم، ويريهم أنه حارس جيد، ويستحق المكانة الأساسية في الفريق.
في تلك الساعات التي فصلته عن لحظة استيقاظ بقية الفريق، تحت الأمطار والصقيع القارس، ربما فكر الحضري في عديد الأحلام والأحزان، لكنه على الأرجح، لم يتخيل أن عقدين فقط سيفصلانه عن أن يصبح «بطلًا شعبيًا» يقترن الهتاف له بالهتاف لمصر. لم يتخيل على الأرجح ما سيحدث في مساء الأول من فبراير (شباط) 2017.
في دماغ كل فرد فينا، يوجد زوج من البقع العصبية بحجم حبة البازلاء، يطلق على هذا الزوج «اللوزة الدماغية – «amygdale، ومن خلال هذا الزوج يشعر الإنسان بالضغوط والقلق والتوتر والمخاوف، التي تؤثر عادة على قرارات الإنسان، وتجعلنا نتوقع أخطاءه، وقد حاول العلماء كثيرًا اختراع شيء يكبح جماح تلك اللوزة التي تؤرقنا، وقد عكف بالفعل مجموعة من الباحثين على اختراع تقنية وجهاز قادرين على ممارسة هذا التحكم، ويتوقع أن يصل سعره في حال ما نجح الأمر إلى ثلاثة ملايين دولار! في الواقع تحكم الإنسان في مخاوفه هو مهمة عسيرة للغاية بحسب العلم، ربما تحتاج منك دفع ثلاثة ملايين دولار.
متى يفشل الحضري ؟
عصام الحضري ربما هو من أكثر لاعبي الكرة الذين تنبأ لهم النقاد في كل عام بالفشل في العام القادم منذ بداياته مع النادي الأهلي المصري؛ لا يتعلق الأمر بخصومة شخصية، ولكن ما تعرض له الحضري في مسيرته، عادةً ما يجعل اللوزة الدماغية للشخص تشتته وتجبره على التصرف بشكل يسيء من موقفه أكثر وأكثر، هذا ما يفهمه الناس بالسليقة، وبحكم الشائع من التجارب.
حتى عام 2005، كان عصام الحضري حارسًا عاديًا للغاية، في تاريخ حراسة النادي الأهلي ومنتخب مصر، وكانت الصحافة تنتقد أداءه دومًا، خصوصًا وأن بداية الألفية الحالية، شهدت تراجعًا غير مسبوق لفريق النادي الأهلي لكرة القدم، وكانت شباك الحضري تنهال عليها الأهداف في مباريات القمة أمام الغريم التقليدي الزمالك.
في موسم 2004- 2005 بدا النادي الأهلي جادًا في صنع التاريخ من جديد، فقد استعاد مدربه السابق مانويل جوزيه، وقام بالتعاقد مع أسماء كانت أبرزها: محمد أبو تريكة، ومحمد بركات، وعماد النحاس، وإسلام الشاطر، ومحمد شوقي، وحسن مصطفى.
حقق الأهلي في هذا الموسم نجاحات قياسية، ويكفي القول إن عدد النقاط التي جمعها الفريق في الدوري العام حينها كانت 74 نقطة، من أصل 78، بنسبة نجاح بلغت 94.877%.
الانتقادات
رغم كل النجاح، كانت الانتقادات توجه بشدة للحضري، وكان الحديث السائد حينها في الصحافة الرياضية المصرية أن الأهلي يستحق حارس مرمى أفضل من الحضري.
بدا أن أيام الحضري معدودة بين جدران القلعة الحمراء، بالأخص حين قرر المدير الفني للنادي الأهلي مانويل جوزيه التعاقد مع نادر السيد، المتألق حينها. الكل توقع أن يصبح نادر السيد حارسًا أساسيًا للنادي الأهلي، لكن الحضري قدم في هذا الموسم وتحت كل تلك الضغوط أداءً مذهلًا، وحقق مع منتخب بلاده بطولة الأمم الإفريقية في نفس العام، وانتهى العام برحيل السيد من النادي الأهلي، بينما تربع الحضري من حينها على عرش أفضل حارس في إفريقيا حتى عام 2013، وها هو يقترب منه من جديد في عام 2017.
خلال مسيرة الحضري تعرض للعديد من الضغوط مثل سحب إشارة القيادة منه، ورحيله عام 2008 إلى نادي سيون السويسري الذي وصفه جمهور النادي الأهلي بالهروب، فضلًا عن الاتهامات التي وجهت إليه بعد ذلك في السنوات الأخيرة بممارسة الدجل والشعوذة لحماية مرماه، وفي كل مرة كان الكل يعلن أن الحضري لن يحتمل الضغوط وسينكسر، لكن الرجل ظل حتى عامه الـ44 يكسر كل التوقعات.
في الواقع، كانت إرادة الحضري التي تكسر الواقع والزمن، وتجعله يرتفع في مستواه كلما مرت الأيام، على عكس ما نعرفه عن البشر، أمرًا غامضًا وسحريًا بالنسبة لمنافسيه، فعزوا إرادته إلى قوى خارقة، خارجة عن قوانين الطبيعة، فاتهموه بتجنيد عفريت يدعى «جامايكا« يعينه على تألقه، ويصد معه الكرات.
لماذا تختلف الجابون 2017 عن كل ما سبق؟
عودة إلى مباراة مالي، حيث عرف الجميع أن الحضري هو الحارس الثالث لمنتخب مصر؛ شريف إكرامي مصاب، وأحمد الشناوي هو من سيقود حراسة مرمى منتخب مصر لكرة القدم، وأحلام الحضري على وشك التحطم، لكن فجأة وكما في قصص السندريلا، يصاب الشناوي في منتصف المباراة، ليلعب الحضري ويكتب التاريخ من جديد.
في مساء الفاتح من فبراير قاد عصام الحضري وهو في الـ44 من عمره منتخب بلاده لبلوغ الدور النهائي في بطولة إفريقيا 2017، بالتصدي لركلتي جزاء أمام منتخب بوركينا فاسو، لتخرج جموع شعب على حافة الفقر المدقع، هاتفة باسم مصر وباسم عصام الحضري.
تختلف بطولة عام 2017 عن أي بطولة سابقة شارك فيها الحضري أو حصدها، ففي عام 2006 و2008، كان للحضري شركاء عدة في الانتصارت، حيث الجيل الذهبي الذي ضم وائل جمعة ومحمد أبو تريكة، ومحمد زيدان، وحسني عبد ربه، ومحمد شوقي، وعمرو ذكي، وعماد متعب، وأحمد حسن، أما هذه المرة فالحضري هو الرجل السندريلا الوحيد، في ظل الانتقادات الكبيرة الموجهة لمستوى كل أفراد الفريق بشكل عام، وفي ظل الخطة الدفاعية التي يلعب بها هيكتور كوبر، ويرى أنها تناسب إمكانيات فريقه المحدودة، كما أن الحالة الاقتصادية والاجتماعية والنفسية الصعبة التي تشهدها مصر الآن لم يشبهها الحال في أي بطولة سابقة، بحسب المراقبين.