تكنولوجيا

فقاعة الذكاء الاصطناعي و أزمة الدوت كوم ، ما أشبه اليوم بالأمس ؟

في عالم الاقتصاد والتكنولوجيا، تُعد الفقاعات الاستثمارية ظاهرة متكررة، حيث يؤدي الضجيج والتفاؤل المفرط إلى ارتفاع أسعار الأصول بشكل غير مستدام، يتبعه انهيار مدوي. أبرز الأمثلة على ذلك هو أزمة الدوت كوم (Dot-com Bubble)، التي حدثت بين عامي 1995 و2000، حيث انفجرت فقاعة الإنترنت مسببة خسائر هائلة في سوق الأسهم، خاصة مؤشر ناسداك الذي انخفض بنسبة تصل إلى 78% بين عامي 2000 و2002. اليوم، مع انتشار الذكاء الاصطناعي (AI) واستثماراته الضخمة، يثير الكثيرون مخاوف من تشكل فقاعة الذكاء الاصطناعي بشكل مماثل، حيث بلغت قيمة رأس المال الاستثماري في الـ AI حوالي 104 مليار دولار في النصف الأول من 2025، مما يشكل 53% من إجمالي الاستثمارات العالمية. في هذه المقالة سنقارن بين الاثنتين، مستعرضين التشابهات والاختلافات، لفهم ما إذا كانت فقاعة الـ AI ستكرر تاريخ الدوت كوم أم ستختلف.

التشابهات بين الفقاعتين

تشترك أزمة الدوت كوم و فقاعة الذكاء الاصطناعي المحتملة في عدة جوانب رئيسية، تجعل المقارنة مشروعة.

أولاً، الضجيج الاستثماري والتركيز السوقي: في عصر الدوت كوم، ارتفع مؤشر ناسداك إلى 5048 نقطة في مارس 2000، مدفوعاً بحماس المستثمرين للشركات الإنترنتية، لكنه انهار بسبب نقص الربحية. اليوم، تشهد الـ AI تركيزاً مشابهاً، حيث تشكل شركات مثل NVIDIA وMicrosoft وApple نحو 41% من مؤشر S&P 500 للتكنولوجيا، مع ارتفاع قيمة NVIDIA إلى أكثر من 3 تريليون دولار في 2024-2025. كما أن استطلاعات المستثمرين تشير إلى أن 54% من مديري الصناديق يرون أسهم الـ AI في “منطقة الفقاعة” في 2025، وهذا مشابه للوضع في عصر الدوت كوم.

ثانياً، نقص الربحية في بعض الشركات: خلال أزمة الدوت كوم، كانت 86% من شركات التكنولوجيا في ناسداك غير مربحة، وهو ما يتكرر جزئياً في الـ AI حيث 70% من الشركات الناشئة في الذكاء الاصطناعي التوليدي تولد إيرادات ضئيلة أو معدومة. كذلك، يؤدي الاستثمار الزائد إلى مخاطر، مثل تمويل الشركات غير المربحة، مما يذكر بانهيار شركات مثل Pets.com في 2000.

ثالثاً، التأثيرات السوقية العامة: كلا الفقاعتين مدفوعتان بتفاؤل المستثمرين حول تقنيات تحولية، مع تدفق رأس المال الاستثماري الهائل. في 2000، بلغ رأس المال الاستثماري الأمريكي 112 مليار دولار، بينما في 2025، يشكل الذكاء الاصطناعي 58% من الاستثمار العالمي، مما يؤدي إلى إغفال قطاعات أخرى. هذا التشابه يثير مخاوف من انهيار يؤدي إلى ركود اقتصادي، كما حدث بعد الدوت كوم.

الاختلافات الرئيسية

رغم التشابهات، تختلف فقاعة الـ AI عن الدوت كوم في جوانب أساسية، مما يجعلها أكثر استدامة في بعض الجوانب. أولاً، الربحية والنضج: بخلاف شركات الدوت كوم التي كانت معظمها ناشئة غير مربحة، تعتمد الـ AI على شركات عملاقة مربحة مثل NVIDIA (هامش ربح صافي 53%) وMicrosoft وGoogle، التي تتمتع بإيرادات متنوعة ونمو حقيقي في الأرباح. على سبيل المثال، يتوقع NVIDIA إيرادات تصل إلى 120 مليار دولار في 2025، ضعف العام السابق، بينما كانت نسبة الربحية في الدوت كوم أقل بكثير (36% من الشركات غير مربحة مقابل 20% اليوم).

ثانياً، التبني والتأثير الواقعي: بلغ تبني الإنترنت في الولايات المتحدة 50% من الأسر في 2000، لكن الـ AI يشهد تبنياً أوسع، حيث تستخدم 78% من الشركات الـ AI في 2024، مما يولد إنتاجية حقيقية. كما أن الاستثمارات في الـ AI مدعومة بتمويل خاص قوي (65 مليار دولار لـ 19 شركة في 2025) ونماذج تأجيرية أفضل، بخلاف الإفراط في القدرات في الدوت كوم الناتج عن شركات صغيرة ممولة عبر الاكتتابات العامة.

ثالثاً، العوامل الخارجية: ساهم حدث Y2K في انفجار الدوت كوم بسبب الإنفاق الزائد على الترقيات، بالإضافة إلى الاحتيال مثل فضيحة WorldCom بـ 11 مليار دولار. أما الـ AI، فيواجه بيئة جيوسياسية مختلفة مع النزاعات التجارية والتركيز على الذكاء الاصطناعي كأولوية وطنية، بالإضافة إلى سياسات نقدية أكثر تساهلاً في 2025 مقارنة بارتفاع الفوائد في 2000. كما أن تقييمات الـ AI مدعومة بنمو الأرباح، لا التوسع في المضاعفات، حيث يتداول قطاع التكنولوجيا بـ 1.34 ضعف السوق العامة مقابل أكثر من ضعفين في 2000.

السيناريوهات المحتملة لانهيار فقاعة الذكاء الاصطناعي

بناءً على التحليلات، يمكن أن تنتهي فقاعة الـ AI بثلاثة سيناريوهات، مقارنة بالدوت كوم: السيناريو الجيد (ليس فقاعة حقيقية)، حيث يؤدي الاستثمار إلى تقدم تكنولوجي يعزز الإنتاجية مع تنظيم حكومي، مشابه لنجاح Google بعد الدوت كوم. السيناريو السيء (انفجار لطيف)، يشمل تصحيحاً سوقياً يؤدي إلى ركود قصير مثل ركود 2001 (أقل من عام)، لكنه قد يكون أكثر ألماً بسبب مشاركة الأسر في الأسواق. أما السيناريو القبيح (انهيار كبير)، فيشبه أزمة 2008، مع مخاطر من الديون في مراكز البيانات، لكنه أقل خطراً لعدم ارتباطه بأصول مادية كالعقارات، بخلاف الدوت كوم الذي أدى إلى خسائر 75% في أسهم التكنولوجيا.

تكشف المقارنة أن فقاعة الـ AI تشبه الدوت كوم في الضجيج والمخاطر، لكنها تختلف في الربحية والتبني الواسع، مما يجعلها أقل عرضة لانهيار مدمر. ومع ذلك، يجب على المستثمرين الحذر، خاصة مع تحذيرات من أن فقاعة الـ AI قد تكون 17 مرة أكبر. في النهاية، قد تكون الـ AI تحولاً حقيقياً، لكن الدرس من التاريخ هو أن الفقاعات غالباً ما تترك تراثاً إيجابياً طويل الأمد، مثل انتشار الإنترنت بعد 2000.

الوسوم

محمد بوحدة

محرر ، مصمم مواقع وخبير في الأرشفة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق