رياضة
اللاعب عبد الصمد الزلزولي : لماذا وكيف ومتى ؟
فجأة، وبطريقة مذهلة، تصدر اللاعب عبد الصمد الزلزولي ، العناوين، وأصبح مثار اهتمام الجميع، وحديث الخاص والعام، بمجرد أن برزت مؤشرات تفضيله الألوان الإسبانية على الألوان المغربية…
حتى جامعة كرة القدم، المفروض فيها، في مثل هذه الحالات، أن تكون رزينة وهادئة ومتبصرة وذات رؤية استشرافية، ساهمت في تأجيج الجدل الدائر حول “تراجع” الزلزولي عن قراره باللعب للمنتخب الوطني المغربي لكرة القدم، بعد خروج رئيسها فوزي لقجع إلى العلن بتصريح صحافي، عديم الجدوى والفائدة، وكأن موضوع الزلزولي يشكل قضية “حياة” أو “موت” بالنسبة لمسار المنتخب الوطني!!.
المفروض في التجارب الموفقة، وغير الموفقة أو إن صح التعبير المنسية، أن يكون لها تأثير إيجابي على توجهات وعمل القائمين على تدبير شؤون كرة القدم الوطنية، وليس العكس…
حالة الزلزولي ليست الأولى من نوعها، ولن تكون الأخيرة، فهي امتداد لحالات سابقة، أقام البعض من أجلها الدنيا ولم يقعدها، وأثير حولها ضجيج واسع، ملأ الدنيا وشغل الناس عن المواضيع والقضايا الحقيقية للرياضة الوطنية بصفة عامة، وكرة القدم على وجه الخصوص.
ولعل حالة منير الحدادي مثال صارخ في هذا السياق، لأنها حديثة النشأة، ومازالت طازجة، وتتبع الناس خيوطها وتفاصيلها، التي لم تكن أقل إثارة، من حالة الزلزولي، إلى أن انقلب كل شيء رأسا على عقب، وعاد اللاعب إلى أحضان المنتخب الذي رفض الانضمام إليه عن طيب خاطر، وعن قناعة، وبذل مسؤولوه جهودا حثيثة لدى الفيفا لتعديل قانون اللاعبين أصحاب الجنسية المزدوجة أو المتعددة، وتيسير حمله للألوان الوطنية!!.
حينها قيل عن الحدادي ما يقال اليوم عن اللاعب عبد الصمد الزلزولي ، “موهبة فريدة من نوعها”، و”طاقة صاعدة وقادمة بقوة”، لكن ما أن مرت مدة قصيرة، حتى اختفى ذلك الخطاب التمجيدي، وتوارى اسم الحدادي عن الأنظار، وطويت الصفحة، بعد تخلي نادي برشلونة عن اللاعب بشكل نهائي…
هذا اللاعب هو اليوم ضمن اللائحة الرسمية للمنتخب المغربي، الذي سافر إلى الكاميرون للمشاركة في كأس إفريقيا للأمم، في الوقت الذي لم ينل فيه مكانته كلاعب رسمي، رغم أنه كان دائم الحضور في لوائح هاليلودزيتش.
لماذا يتجدد الصخب والضجيج كلما ظهرت موهبة مغربية صاعدة في فريق أجنبي، ثم يعم الهدوء والسكون، بعد حين، وكأن شيئا لم يحدث…
ارجعوا إلى أوراق الماضي القريب، وقوموا بإحصاء عدد الأسماء المغربية التي سبقتها النجومية، قبل أن تصبح نجوما حقيقية، وحددوا ما الذي أنجزته، وما الذي خسره المنتخب المغربي في علاقته ببعض الأسماء التي أدارت له ظهرها، وفضلت الألوان الأجنبية…
ويكفي الاستدلال بتجارب لاعبين مغاربة، هم الآن ناجحون في مسارهم الرياضي داخل القارة “العجوز”، للتأكيد على أن روح الانتماء للوطن، والتعبير عن التمسك بالجذور، والاعتزاز بحمل القميص الوطني، لا يحتاج إلى لغة استدراج، ولا إلى لغة استعطاف وتفاوض، ولا إلى البحث عن وساطات…
من يريد اللعب لمنتخب بلاده أهلا وسهلا، وألف مرحبا، ومن لا يريد، لا يسعنا إلا أن نحترم قراره، ونتمنى له التوفيق والنجاح.
لذلك، على جامعة كرة القدم، أن تستفيد من الأخطاء التي حدثت في السابق، وتتجدد فصولها اليوم، بطريقة مؤسفة، حتى لا يبقى هذا الموضوع، أسير نفس النظريات البالية، والتصورات السلبية، ويغطي على القضايا الحقيقية، ويحجب الرؤية عن مناهج ووسائل العمل التي تستحق الاهتمام والمواكبة الفعلية.
لقد أثبتت التجربة أن الاعتماد على منقبين في بعض الدول الأوروبية، مقابل تعويضات جزافية بالعملة الصعبة، لم تعط أكلها، وساهمت فقط في خدمة أجندة ومصالح بعض الأندية والاتحادات الأوروبية، بتحويل المنتخبات الوطنية لأقل من 17 سنة و19 سنة، إلى جسر عبور نحو تلميع مسار بعض اللاعبين، وجعلهم محط أنظار وسطاء، وتحويل وجهتهم نحو الأماكن التي تخدم مصالحهم الضيقة.
من هنا، تبدو الحاجة ماسة إلى قسم قائم الذات داخل جامعة كرة القدم، بصلاحيات محددة، يتولى تدبير ملفات المواهب المغربية الصاعدة في أوروبا، ويتشكل من تقنيين وإداريين مشهود لهم بالكفاءة والاستقامة والخبرة، لرسم الخطط الكفيلة بضمان انتقالها بشكل سلس إلى المنتخب الوطني الأول، في الظرفية الملائمة والتوقيت الصحيح.
لو أن جامعة كرة القدم، فطنت إلى أنه من غير المعقول، المجازفة بالمناداة لأول مرة، على لاعب صاعد، للانضمام للمنتخب الوطني وهو على أهبة المشاركة في كأس إفريقيا للأمم بالكاميرون، دون أن يكون قد حظي بفرصة الحضور معه في أي تجمع تدريبي، أو المشاركة في مباراة ودية أو رسمية، لما سقطت في المحظور…
الانفتاح والتواصل والحوار والترغيب واحترام حرية الأفراد في الاختيار، مداخل أساسية لضم المواهب الصاعدة في ديار المهجر، والقادرة على أن تشكل دعامات حقيقية للمنتخب الوطني.
أما المواقف العنترية، فمجرد فقاعات صابون، سرعان ما تتبدد.
والأمل هو أن يحظى قطاع تكوين الناشئين والمواهب الصاعدة في الداخل بنفس الهالة من الاهتمام المنقطع النظير، وأن يتم تسطير وتفعيل إجراءات لتنال فرصها في التنافس والاحتكاك بشكل صحيح ومنتظم.
فما أكثر المواهب التي تضيع سنويا بسبب انشغال الأندية بالبحث عن اللاعب الجاهز.
علمتنا التجارب، أن كل ما يلمع ليس ذهبا بالضرورة!!.